عندك قلم زائد؟


الصرير يملأ المكان، آلاف القادمين من شتى الأصقاع يحيطون بمركز الحلقة، حيث يسرد الأستاذ أماليه ويلتقطون منه كل حرف، يضبطونه في دفاترهم بعد أن يتردد الصوت ويعبر أثيره على حناجر المبلغين.
يقطع ذلك الجو الحيوي والمهيب نداء من بين الصفوف!: قلم بدينار! جملة أصدرها أحد التلاميذ عندما تحطم قلمه فاستكثر الوقت الذي سيمضي في بريه للقلم وإصلاحه الأمر الذي يكلفه فوت بعض الكلمات من شيخه فأعلن عرضه المغري والعاجل:( قلم بدينار!!)

قبل أن يتلاشى الصدى، تهاوت الأقلام من كل جانب لمصدر الصوت العرض كان مغريًا جدًا (دينار) فجاء الطلب فوق ما يستحقه العرض.
فعل ذلك لأنه لن يتمكن من مشاهدة إعادة الحلقة في اليوتيوب ولن يحصل على ملخص في أقرب قرطاسية ولن يجد مدونة لأحد الزملاء تعرض الفوائد من تلك الأمالي! بل وربما قطع الآلاف من المسافات ليحضر هذا المجلس التعليمي ويأخذ الفن من هذا العالِم الذي لن يجد نظيره إلا في تلك اللحظات من حياته.

ماذا لو نقلنا هذا الطالب عبر الزمان وأتينا به لنخبره عن التعليم عن بعد وأنشأنا له حسابًا في أحد المنصات الإلكترونية التعليمية، وجعلناه يرى شيخه ماثلًا بين يديه يلتقيه وجهًا لوجه ويحدّثه مشافهة ويستمع إليه؟
ماذا لو كفيناه عناء الكتابة وجمع الأوراق ودبغ الجلود وبري الأقلام ورأى كيف تتحول الصوتيات إلى نصوص دون الحاجة إلى التدوين؟
ماذا لو علم أن بإمكانه أن يحمل في جيبه مكتبة تحوي الملايين من العناوين دون مجهودات الحمل والنقل؟
ماذا لو جمعنا له زملائه في الطلب من شتى الأصقاع في دقائق معدودة في الوقت والمكان الذي يريد؟
ماذا لو.. ماذا لو؟

كل تلك الأمور كانت لأسلافنا مستحيلًا، بينما هو واقع نراه ونعايشه اليوم، نعمة قد لا نشعر بعظمتها، فرص عظيمة قد نفرط فيها لاعتيادنا عليها.
ماذا لو نقلنا ذلك الطالب من حلقته القديمة إلى أحد الفصول الدراسية الحديثة الذكية، وأبهرناه بالتقنيات ووسائل التعليم المتقدمة، وجلس منصتًا إلى معلمه مصغيًا لشرحه، ثم نكزه زميله المجاور في الفصل قائلا: عندك قلم زائد؟

بقلم: طارق عطا الله
@tariq_ataulla


التعليقات

لا يوجد أي تعليقات لعرضها.

تسجيل الدخول